درس كوفيد-19 المؤلم للولايات المتحدة الأمريكية حول الاستراتيجية والقوة

جوزيف اس ناي جي ار

نقلته إلى العربية فريدة طاجين




أعلن الرئيس دونالد ترامب في عام 2017 عن استراتيجية الأمن القومي الجديدة التي ركزت على تنافس القوة العظمى مع الصين وروسيا. وفي حين أن الخطط اشارت أيضا إلى دور التعاون والتحالفات إلا أن تنفيذ الخطط لم يظهر ذلك. ويبين كوفيد-19 اليوم أن الاستراتيجية غير كافية لوحدها، فمقاربة "أمريكا أولاً" والمنافسة ليست كافية لحماية الولايات المتحدة، فيما يعد التعاون الوثيق مع كل من الحلفاء والخصوم أمرا ضروريا أيضا لتحقيق الأمن الأمريكي. فتحت تأثير ثورة المعلومات والعولمة، تتغير السياسة العالمية بشكل كبير، وحتى إن كانت للولايات المتحدة الغلبة في المنافسة التقليدية بين القوى العظمى، فإنها لا تستطيع أن تحمي أمنها بالعمل أو التحرك بمفردها، ولا تعتبر جائحة كوفيد-19 المثال الوحيد عن ذلك.

إن الاستقرار المالي العالمي يشكل أهمية بالغة لتحقيق الازدهار في الولايات المتحدة، إلا أن الأميركيين يحتاجون إلى تعاون من الآخرين لضمان ذلك الازدهار، وفي حين تسببت الحروب التجارية في تراجع العولمة الاقتصادية، فلا يوجد ما يمنع تقدم العولمة البيئية المتمثلة في انتشار الأوبئة وتغير المناخوفي عالم أصبحت فيه الحدود أكثر سهولة للاختراق من كل شيء من المخدرات إلى الأمراض المعدية إلى الإرهاب السيبراني، يتعين على الولايات المتحدة استخدام قوتها الناعمة في الاستقطاب لتطوير شبكات ومؤسسات يمكنها معالجة هذه التهديدات الجديدة، فعلى سبيل المثال لقد اقترحت الإدارة الحالية للولايات المتخدة خفض مساهمة البلاد في ميزانية منظمة الصحة العالمية إلى النصف بينما اصبحنا الآن في حاجة إليها أكثر من أي وقت مضى.

إن نجاح استراتيجية الأمن القومي لابد أن تنطلق من حقيقة مفادها أن "أميركا أولا" تعني أن أميركا لابد أن تقود الجهود في مجال التعاون، وهناك مشكلة كلاسيكية تتعلق بالمنافع العامة (مثل الهواء النظيف ، والتي يمكن للجميع ان يتقاسمها ولا يمكن استبعاد أي طرف منها) هي أنه إذا لم يأخذ المستهلك الأكبر زمام المبادرة، فإن هذا يعني أن الدول الأخرى سوف تكون حرة ولن يتم إنتاج المنفعة العامة. وكما يلخص المشكلة خبير التكنولوجيا RICHARD DANZIG ريتشارد دانزيغ: "إن تكنولوجيات القرن الحادي والعشرين عالمية ليس فقط في توزيعها بل أيضا في عواقبها، فالكائنات المسببة للمرض، وأنظمة الذكاء الاصطناعي، وفيروسات الكمبيوتر، والإشعاع الذي قد يطلقه آخرون عن غير قصد، يمكن أن تتحول إلى مشكلتنا بقدر ما هي مشكلتهم، ويجب اتباع أنظمة الإبلاغ المتفق عليها ، والضوابط المشتركة ، وخطط الطوارئ المشتركة ، والقواعد والمعاهدات كوسائل لإدارة مخاطرنا المشتركة العديدة." فالتعريفات الجمركية والجدران الحدودية لا يمكنها أن تحل هذه المشاكل، ورغم أن الزعامة الأميركية ضرورية بسبب النفوذ العالمي الذي تتمتع به البلاد، إلا أن النجاح سوف يتطلب تعاون الآخرين، أما فيما يتعلق بالقضايا العابرة للحدود الوطنية مثل كوفيد-19 والتغير المناخي فإن القوة تصبح محصلتها النهائية إيجابية، فلا يكفي أن نفكر في القوة الأميركية الممارسة على الآخرين بل ينبغي أيضا أن نفكر في القوة من حيث تحقيق الأهداف المشتركة، والتي تتضمن القوة مع الآخرين. حيث يساعدنا تمكين الآخرين في الكثير من القضايا العابرة للحدود الوطنية على تحقيق أهدافنا الخاصة. وتستفيد الولايات المتحدة إذا حسنت الصين من كفاءتها الطاقوية وقللت من كميات انبعاثاتها من ثاني أكسيد الكربون، أو حسنت من أنظمة الصحة العامة الخاصة بها. ففي هذا العالم ، تشكل الشبكات المؤسسية والترابط مصدرا هاما للمعلومات والقوة الوطنية، والدول الأكثر ترابطا هي الاكثر قوة. ولدى واشنطن حوالي ستين دولة تربطها معها معاهدة تحالف في حين لا تمتلك الصين سوى القليل. وكما ذكرت  ميرا راب هوبر MIRA RAPP-HOOPER مؤخرا ، فإن الولايات المتحدة لسوء الحظ تبدد مصدر الطاقة هذا.

لقد عزز انفتاح الولايات المتحدة في الماضي من قدرتها على بناء الشبكات، والحفاظ على المؤسسات، ودعم التحالفات، ولكن هل سيثبت هذا الانفتاح والرغبة في الانخراط مع بقية العالم استدامته في ظل المزاج الشعبوي الحالي للسياسة الداخلية الأميركية؟ فحتى ولو كانت الولايات المتحدة تمتلك قوة عسكرية واقتصادية أكبر من أي دولة أخرى ، فقد تفشل في تحويل تلك الموارد إلى تأثير فعال على الساحة العالمية. فبين الحربين العالميتين لم تفعل أمريكا ذلك وكانت النتيجة كارثية.

إن مفتاح أمن أمريكا وازدهارها في المستقبل يتلخص في تعلم أهمية "القوة مع" وكذلك "القوة على" الآخرين. فكل دولة تضع مصالحها في المقام الاول، ولكن السؤال المهم هنا هو إلى أي مدى تحدد كل دولة اتساع او ضيق نطاق تلك المصالح. وقد اظهرت الادارة الحالية ميلا نحو تفسيرات قصيرة المدى وبمحصلة صفرية مع اهتمام ضئيل بالمؤسسات والحلفاء. إن تعريف "أميركا أولاً" يتم الآن بشكل ضيق جدافهي تتراجع عن بعد المدى والمصلحة الذاتية المستنير التي ميزت الاستراتيجية الأمنية التي صممها فرانكلين روزفلت، وترومان، وأيزنهاور بعد عام 1945. فالتهديد الجديد لأمن أميركا ليس نابع فقط من قوى عابرة للحدود الوطنية مثل كوفيد-19  والتغير المناخي بل وأيضا من فشل الأميركيين في الداخل في تكييف مواقفهم مع هذا العالم الجديد. هذا هو الدرس المؤلم الذي يعلمنا إياه كوفيد-19

.المقال الاصلي نشر بتاريخ 26 مارس 2020 على موقع war on the rocks    متوفر على الرابط التالي : 

Comments

Popular posts from this blog

كيف يمكن للفيروس التاجي كوفيد 19 أن يعيد تشكيل النظام العالمي؟

عالم أقل انفتاحا وازدهارا وحرية